من أرشيف الذاكرة .. محمد حزام علايه
يمنات
أحمد سيف حاشد
– قصة أنصار الله مثل قصة صهري محمد حزام علايه .. كان يحلم بتحرير نجران و جيزان و عسير و الشرورة و الوديعة من السعودية، ثم صار يتمنى أن يبقى معه من الثلاث اللبن و النصف التي أشتراها، لبنة و نصف و ثمن .. أنصار الله كان لديهم مشروع عالمي لتحرير مكة و القدس، و الآن تقزّم ذلك الحلم، و بات مقتصرا على فتح مطار صنعاء، و منع اختلاط الرجال بالنساء في الجامعات و المدارس و المعاهد و المطاعم، و مواجهة الحرب الناعمة، و حراسة الشرف والفضيلة.
– لدى محمد حزام علايه صاحب الحلم الكبير بيت شعبي على أقل من لبنة و نصف و ثمن اللبنة، تشبه من الداخل و قليلا من الخارج “دشم العسكر”، إلا أنني أشعر و أنا أتحوش في داخلها و ردهاتها، إنها أضيق من بيت الفئران..
– بيت جدرانها من البردين، و بعضها من الحجارة، و تبدو العشوائية في المواد و البناء واضحة للعيان .. إنجازها تم على مراحل و دفعات، و كل جدار استغرق من صاحبه مدار العام، و كأنه مشروع سور الصين العظيم، لا على بيت مساحته لبنة و نصف و ثمن، ناقص منه ثلاث أمتار تم أخذها طريقا للجيران.
– لا أقول أن هذا البيت قد ظهر إلى الوجود، فيما يشبه الولادة المتعسرة، بل يشبه تشكل تضاريس الأرض في الزمن الأول، قبل أن تتزحزح القارات من مواضعها، و لكن على مساحة البيت، غير أن الأهم صار بعون الله و توفيقه بيتا له حيطان و أذان.
– إنه بيت شعبي أو دونه .. بيت غارق في التواضع، حتى و إن كان له بابين من حديد، الأول للبيت، و الثاني لزقاقه .. عندما أدخل إلى هذه البيت، كان عليّ أن أُرغم بتحويل هيئتي و مقاسي مما أنا عليه، و على نحو يناسب و يتناسب مع امكانية الدخول و الخروج المتاح.
– كان يجب لأتمكن من الدخول أن أطأطئ رأسي، و أحرف وجهتي مع رأسي المطوي، نحو الجدار، بدلا من الاتجاه نحو الممشى، أو بعبارة أخرى أدير جسدي 90 درجة، و أسير عرضا خطوة خطوة على جانب، متفادي الضيق و الاصطدام بالحيطان .. كان علايه فتى مغامر يصول و يجول مثل أنصار ربي، ثم صار يسير بمحاذاة الحائط المائل.
– بيع الأرض في صنعاء غالبا لا ينتهي بسلام .. البائع لا يبيع دون أن يبقى في المبيع مسمار جحا، ذلك أضعف الإيمان، أما قوي الإيمان فيبيع الأرض مرتين أو ثلاث، و أحيانا تتداخل المساحات و المسافات، و يتعدد الدخلاء، و يختلط الحابل بالنابل، و تجد نفسك مهدرا عمرك في متاهة لا تنتهي.
– و من مسمار جحا أو ما دونه أو أكبر منه، تبدأ الشريعة و تستمر .. و بالفعل أستمرت الشريعة بين علايه و خصمه البائع 23 عاما .. شريعة حامية الوطيس، و يمضي العمر بددا بين أقسام الشرطة و النيابات و ردهات و قاعات المحاكم..
– و يزداد الأمر سوءا عندما يحدث هذا في شبه دولة قانونها الفاعل “من قوى صميله عاش” و بعد شريعة طويلة الحبال، و كثيرة المتاعب، صدر الحكم الأول من المحكمة الابتدائية عام 2012، لصالح علايه مشمولا بالنفاذ المعجل، و الذي يفترض تنفيذه خلال ستين يوم، و لكنه لم يتم تنفيذه إلى اليوم.
– تبعته المحكمة الاستئنافية بإصدار حكم في 2014 مؤيدا للحكم الحكم الابتدائي، و صار الحكم نهائيا، واجب التنفيذ، و لكن لم يتم التنفيذ إلى هذه الساعة .. و تمضي 23 سنة من العمر و ينزف العمر في ردهات القهر و الشريعة .. و مع ذلك إن لم تقتل خلال تلك المدة، يظل في الأمر إنجازا سعيدا و حظا وفيرا و أعصاب من حديد..
– الحقيقة بدأ حريق الدم بالنسبة لي بعد دخول أنصار الله إلى صنعاء، يومها كنت في عدن، و حاولت التواصل و الاتصال .. نريد دولة، نريد قانون، نريد نظام .. و لكن ما كان يحدث ليس له علاقة بما نريد..
– تورطك المحدود و الحذر في هكذا قضية، ستجعلك تعرف أشياء كثيرة ما كنت تود أن تعرفها .. ستعرف ما يعمل المال في الشريعة، و ستعرف ما تفعله مافيات الأراضي، و تعرف تشابك المصالح، بين مكاتب العقارات، و سماسرة الأراضي، و بعض أقسام الشرطة و أجهزة الأمن و بعض المشرفين، و أكثر من هذا أيضا.
– قضية مدنية يشبعها كل هؤلاء عك و عصد و منافع و مصالح و تعقيدات لا تنتهي إلا بالقتل .. تخرج من دوامة لتدخل في دوامتين، و لا تنتهي من الدوامات قبل أهدار عمرك بددا..
– كنت أسأل نفسي، قسم الشرطة هذا يتبع من..؟! و كانت الإجابات شتّى، و لكن ليس فيها إنها تتبع دولة أو شبه دولة أو حتى بقايا دولة .. كنت أشعر أن جهة أمنية ما مريبة تدفع بالأمور لاستدراجي، أو الإيقاع بي، أو اشغالي عما أنا بصدده، في وقت كانت معارضتي لسلطة أنصار الله قد صارت مرتفعة وضاجة و تستحث الفعل.
– كان قسم الشرطة يرسل عساكره، أو يتم استئجار بعضهم، و يحضروا إلى باب البيت و يمارسوا كل أشكال العنترية و الاستفزاز و الإثارة، ليبلغ بعضها حد رعش الباب بالأيدي، و ركله بالبيادات، و محاولة خلعه بالأيدي و الأقدام .. لا يوجد في البيت غير أختي بمفردها .. تتصل لي وهي هلعة و مذعورة، يستفزونها بالكلام و يتحدثوا معها بما لا يليق، و يرعشوا الباب بالأيدي، و يرفسوه بالأرجل، و يحاولون خلعه و التهديد بالاقتحام و الدخول كما يحدث اليوم مع أختي الأخرى..
– حالما كنت أتابع الافراج عن صديق محبوس في تهمة ملفقة تستهدف شخصه، وصلني صوت هلوع و مذعور .. إنه صوت أختي .. إنه صوت يشبه صوت زوجتي عندما ابلغتني أن أخوها عادل مات .. فيما أبلغتني أختي بصوت يستغيث بهلع، العسكر يريدون يقتحمون البيت بالقوة .. يريدون كسر الباب .. يريدون الدخول بالقوة..
– كان بجواري وقتها عضو المجلس السياسي محمد البخيتي، طلبت منه التدخل و وقف الاعتداء لأن القضية من اختصاص القضاء، و فيها أحكام نهائية واجبة النفاذ لصالحنا، و أن قسم الشرطة يتدخل فيما لا يعنيه، و كنت لحظتها أتحفز لاختصار الزمن و المسافات لأن أفعل شيء..
– أذكر أنني استعجلت محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لأنصار الله يومها إن يفعل شيء في هذه القضية، ربما تركها على حالها يؤدي إلى قتل، و كاد أن يحدث هذا بالفعل، تم إيقاف الاعتداء بالتواصل مع مدير القسم .. و لكن وقف القسم مرة و عاد الأمر مرات .. ظل القسم كل مرة يحشر أنفه في شيء مما ليس له دخل فيه، و لكنها طلبة الله عند الأقسام، و عند الأفراد فيه، و النافذين في الأمن و المتنفذين من الأنصار .. إن وجدت نفسك في ورطة كتلك ستشعر أن ليس هناك نظام و لا قانون، و إنما هناك مافيات و مصالح و نافذين..
– استطعنا بعد جهد جهيد، و معاناة مضنية، و ألغام كثيرة أن نعبر هذه المرحلة، و نتجاوز قسم الشرطة، فيما وجدنا أكثر من جهة أخرى تابعة للأنصار تريد التدخل بإصرار عجيب، و تريد أن تحكّم نفسها بالقوة لتبطل ما لدينا من أحكام و حجية، و ما هو واجب النفاذ المعجل و غير المعجل .. تجاوزنا الأمر بعد جهد جهيد و تدخل هيئة المظالم التابعة لأنصار الله ليعود الأمر إلى القضاء صاحب الاختصاص..
– كنت أشعر أن هناك أيادي و أصابع تستهدفني عن طريق هكذا قضية، و كان ما يجري من اعتداءات متكررة و استفزازات داعية جدا لتهوري، ربما انقذتني منها أن خصومة أخرى مع نفس الخصم أسفرت عن رماية و قتل و جرح أشخاص من قبل الخصم و أولاده..
– و مع ذلك لازالت القضية لم تنته .. و الشريعة لازالت حبالها طويلة، و صار الطعن في بير العزب، و التنفيذ في بير عبيد، و الخصوم في بير أحمد .. تبدو نهاية القضية لازال بعيدا كنهاية هذه الحرب الظالمة..
***
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.